الكلامُ يجرُّ الكلام
11
· بيان لمحات من الامثال المعروفة عند العرب ·
· المثل المعروف : رجع بخفي حنين ·
اعلم أنه كثيرا ً ما يمثل بقولهم : « رجع بخفـّي حـُنين » للخائب الخاسر فاختلف في حنين ، فقيل حنين كان رجلا ً مدعيا ً أنه من ولد هاشم ، فجاء الی عبد المطلب وعليه خفان ...
فقال : يا عم اني من ولد هاشم ، فأمعن النظر فيه ...
فقال : وعظام هاشم ما أری فيك شمائل هاشم فارجع ، فرجع خائبا ً بخفيه .
وقال بعضهم : كان رجلا مغنيا ً فدعاه قوم من أهل الكوفة ليطربهم في نزهة فخرجوا به الی الصحراء فضربوه وسلبوا ثيابه ، وتركوا عليه خفيه لا غير ، ولما رجع الی زوجته وكانت منتظرة لرجوعه علی عادته بما يفضل عن أطعمة أهل النزهة ورأته علی تلك الحالة ، فقالت لكل من سألها عنه :
« رجع حنين بخفيه » .
وقيل : انه كان رجلا ً اسكافيا ً من أهل الحيرة فساومه اعرابي بخفين وما كسه حتی أخرجه فلما ارتحل الاعرابي أخذ حنين أحد الخفين ووضعه علی الطريق ، ثم مشی وألقی الاخر في موضع آخر علی الطريق وكمن له ، فلما مر الاعرابي بالخف قال : ما أشبه هذا بخف حنين ، ولو كان معه الآخر لاخذته ، فلما انتهی الی الآخر ندم بتركه الاول ، واناخ راحلته ورجع الی الاول ، فعمد حنين الی راحلته بما عليها فركبها ومضی بها ، فلما رجع الاعرابي الی قومه بالخفين ، وسألوه عن حاله فقال : «جئت بخفي حنين» .
· ومن الامثلة المعروفة : جاؤا علی بكرة أبيهم ·
في المثل السائر عند العرب قولهم : « جاؤا علی بكرة أبيهم » هذا المثل يضرب للجماعة اذا جاؤا كلهم ولم يتخلف منهم أحد ، والبكرة الفتية من الابل ، وأصله انه كان لرجل من العرب عشرة بنين فخرجوا الی الصيد فوقعوا في أرض العدو فقتلوهم ووضعوا رؤوسهم في مخلاة[1] وعلقوا المخلاة في رقبة بكرة كانت لابي المقتولين ، فجاءت البكرة هدوة[2] من الليل ، فخرج أبوهم وظنّ الرؤوس بيض النعام وقال : قد اصطادوا نعاما ً وأرسلوا البيض ، فلما انكشف الامر قال الناس : جاؤا بنو فلان علی بكرة أبيهم .
· ومن الامثلة المعروفة : الحديث ذو شجون ·
ويراد بذلك أنه يجر بعضه بعضا ً وهذا الامثل لضبـّة بن أد وكان له ابنان سعد وسعيد ، فخرجا الی سفر في طلب ابل ، فهلك سعد ولم برجع ، ورجع سعيد ، فكان ضبـّة لما رأی رجلا مقبلا قال : أسعد أم سعيد ، فذهبت مثلا .
ثم أن ضبـّة والدهما خرج بع ذلك في الشهر الحرام يسير ويتفحص عن ابنه وكان معه الحرث ين كعب ، فبينا هما ذات يوم يتحدثان سائرين ، اذ مرا بمكان ، فقال له الحرث : أتری هذا الموضع ، فاني لقيت فتی هيئته كذا وكذا فقتلته وأخذت منه هذا السيف ، فاذا بصفة سعد ، فقال له ضبّة : أرني السيف أنظر اليه فأعطاه اياه واذا هو سيف ابنه سعد ، فقال له ضبـّة : الحديث ذو شجون ، ثم ان ضبـّة ضربه به حتی قتله ، فلامه الناس وعذلوه علی استحلال الشهر الحرام ، وقالوا له : أقتلت في الشهر الحرام ؟ فقال : سبق السيف العذل ، فصار مثلا .
· ومن الامثلة المعرفة : كل الصيد في جوف الفرا ·
أصله أن ثلاثة رجال خرجوا يصطادون ، فاصطاد أحدهم أرنبا ً ، والاخر ضبيا ً ، والاخر حمار وحش ، فاستبشر الاولان وتطاولا ، فقال الثالث : كل الصيد في جوف الفرا . يضرب للرجل يكون له حاجات كثيره منها واحدة عظيمة فتقضي له فيقول ذلك ، أو يقال له ذلك ، علی معنی انه لم يبال بفوات الباقي ، والفرا حمار الوحش .
· ومن الامثلة المعروفة : وافق شن طبقة ·
ان شن بطن من عبد القيس ، وطبق حي من اياد ، وقد توافقا علی أمر فيه صلاح حالهما ، فقيل : وافق شن طبقة .
وفي مجمع الامثال :
كان رجل من دهاة العرب وعقلائهم يقال له شن ، فقال :
والله لاطوفن حتی أجد امرأة مثلي فأتزوجها ، فبينما هو في بعض مسيره اذ رافقه رجل في الطريق فسأله شن أين تريد ؟ فقال : موضع كذا و كذا ، يريد القرية التي يقصدها شن ، فرافقه حتی اذا أخذا في مسيرهما ، قال شن : أتحملني أم أحملك ؟ فقال له الرجل : يا جاهل أنا راكب وأنت راكب فكيف أحملك أم تحملني ؟ فسكت عنه شن ، فسارا حتی اذا قربا من القرية اد هما بزرع قد استحصد ، فقال : أتری هذا الزرع أكل أم لا ؟ فقال له الرجل : يا جاهل تری نبتا ً مستحصدا ً فتقول أكل أم لا ! فسكت عنه شن حتی اذا دخلا القرية لقيتهما جنازة فقال شن : أتری صاحب هذا النعش حيا ً أم ميتا ً ؟ فقال الرجل : ما رأيت أجهل منك ، جنازة تسأل عنها أميت صاحبها أم حي ، فسكت شن فأراد مفارقته فأبی الرجل أن يتركه حتی يسير به الی منزله ، فمضی معه فكان للرجل بنت يقال لها طبقة ، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه ، فأخبرها بمرافقته اياه وشكی اليها جهله وحدثها بحديثه ، فقالت : يا أبت ليس هذا بجاهل ، أما قوله : أتحملني معك أم أحملك ، فأراد : أتحدثني أم أحدثك حتی نقطع طريقنا ، وأما قوله : أتری هذا الزرع أكل أم لا ، أراد هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا ، وأما قوله في الجنازة فأراد : هل ترك عقبا ً يحيی بهم ذكره أم لا ، فخرج الرجل فقعد مع شن فحادثه ساعة ثم قال : أتحب أن أفسر لك ما سألتني ؟ فقال نعم ففسره ، فقال شن : ما هذا كلامك فأخبرني من صاحبه ؟ فقال : ابنة لي فخطبها اليه ، فزوجه ، وحملها الی أهله ، فلما رأوها قالوا : وافق شن طبقة ، فذهبت مثلا يضرب للمتوافقين .
· ومن الامثلة المعروفة : وعد عرقوب ·
كان عرقوب وعد رجلا ثمر نخلة ، فلما اطلعت ، أتاه فقال : دعها حتی تبلح ، فلما أبلحت ، قال : دعها حتی تزهي ، فلما أزهت أتاه ، فقال : دعها حتی ترطب ، ثم أتاه فقال : دعها حتی تثمر ، فلما أثمرت ، عدا عليها البلاء فجدها ، فضرب به المثل في الخلف .
قال الشاعر :
من كان خلف الوعد شيمته * والغدر عرقوب له مثل
· ومن الامثلة المعروفة : أعيا من باقل ·
العرب تقول أعيا من باقل وهو اسم رجل من العرب ، ومن عيه[3] انه اشتری ظبيا ً بأحد عشر درهما ً فحمله علی عنقه ، فسئل عن ثمنه ، فحل عنه يديه وفتح أصابعه وأشار بها ، وأخرج لسانه يريد انه بأحد عشر درهما ، فهرب الظبي ، ولم يلهم أن يخبر عن سومه بلسانه ، ولما عـُيـّر باقل بفعله قال :
يلومون في عيـّه باقلا * كأن الحماقة لم تخلق
فلا تكثروا العتب في عيـّه * فللعّي أجمل بالاموق[4]
خروج اللسان وفتح البنان * أخف علينا من المنطق
فضرب بباقل المثل في العي .
· ومن الامثلة المعروفة : ذكرتني الطعن وكنت ناسيا ً ·
وأصل هذا المثل أن رجلا ً حمل علی رجل ليقتله ف وكان في يد المحمول عليه رمح فأنساه الدهشه ما في يده ، فقال له الحامل : ألق الرمح ، فقال : ذكرتني الطعن وكنت ناسيا ً ، فذهبت مثلا .
· ومن الامثلة المعروفة : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ·
هذا المثل يضرب لمن يكون خبره خيرا ً من منظره ، وأول من قاله النعمان لشقة بن ضمرة في خبر طويل ، معناه أنه كان يغير علی مال النعمان ويطلبه النعمان فلا يقدر عليه الی أن أمنه وكان يعجبه ما يسمع عنه من الشجاعة والاقدام ، فلما رآه استزری منظره لانه كان دميم الخلقة فقال : « تسمع بالمعيدي خير من أن تراه » فقال : أبيت اللعن ان الرجال ليست بجزر وانما يعيش المرء بأصغريه قلبه ولسانه ، فأعجب النعمان كلامه وجعله من خواصه الی أن مات ، ومعيد اسم قبيلة .
· ومن الامثلة المعروفة : أبصر من زرقاء اليمامة ·
هي غزة اليمامة ، واليمامة اسمها وبها سمي البلد وهي أمرأة من جديس وذكر الجاحظ أنها كانت تبصر الشئ من مسيرة ثلاثة أيام ، فلما قتلت جديس طمسا ً خرج رجل من طسم الی حسان بن تبـّع فاستجاشه ورغبه في الغنائم ، فجهز اليهم جيشا ً فلما صاروا من جو علی مسيرة ثلاث ليال صعدت الزرقاء فنظرت الی الجيش وقد أمروا أن يحمل كل رجل منهم شجرة يستتر بها ليلبسوا عليها ، فقالت يا قوم أتتكم الاشجار أو أتتكم حمير فلم يصدقوها ، فقالت علی مثال رجز :
أقسم بالله لقد دب الشجر * أو حمير قد أخذت شيئا ً يجر
فلم يصدقوها ، فقالت : بالله لقد أری رجلا ينهش كتفا ً أو يخصف النعل فلم يصدقوها ، ولم يستعدوا حتی صحبهم حسان فاجتاحهم ، وكانت أول من اكتحل بالاثمد[5] من العرب .
· ومن الامثلة المعروفة : أفصح من سحبان وائل ·
هو وائل بن معن بن أعصر وكان خطيبا ً يضرب به المثل في الفصاحة ، قال الشاعر في ضيف نزل به :
أتانا ولم يعدله سحبان وائل * بيانا ً وعلما ً بالذي هو قائل
فما زال عنه اللقم[6] حتی كأنه * من العي لما أن تكلم باقل
· ومن الامثلة المعروفة : أبلغ من قس ·
هو قس بن ساعدة بن حذافة بن زهير بن أياد بن نزار الايادي أسقف نجران ، وكان من حكماء العرب واعقل من سمع به منهم ، وهو أول من كتب ( من فلان الی فلان ) ، وأول من أقر بالبعث من غير علم ، وأول من قال : أما بعد ، وأول من قال : البينة علی من ادعی واليمين علی من أنكر ، وقد عمر مائة سنة ونيفا ً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق