الأربعاء، 4 أغسطس 2010

الكلام يجر الكلام 7

· هل هناك فرق بين العلم والاعتقاد ·

ان الفرق بينهما ان الاعتقاد هو اسم لجنس الفعل علی أي وجه وقع اعتقاده ، والاصل فيه أنه مشبه بعقد الحبل والخيط ، فالعالك بالشئ علی مل هو به كالعاقد المحكم لما عقده . ومثل ذلك تسميتهم العلم بالشئ حفظا ً له ، ولا يوجب ذلك أن يكون كل عالم معتقدا ً لان اسم الاعتقاد أجري علی العلم مجازا ً وحقيقة العالم هو من يصح منه فعل ما علمه متيقنا ً اذا كان قادرا ً عليه .

· هل هناك فرق بين العلم والرؤية ·

ان الفرق بينهما ان الرؤية لا تكون الا لموجود ، والعلم يتناول الموجود والمعدوم ، وكل رؤية لم يعرض معها آفة فالمرئي بها معلوم ضرورة ، وكل رؤية فهي لمحدود أو قائم في محدود ، والرؤية في اللغة علی ثلاثة أوجه :

أحدها : العلم وهو قوله تعالی : « وَنَرَاهُ قَرِيبًا » المعارج آيه 7 ، أي نعلمه يوم القيامة ، وذلك ان كل آت قريب .

والاخر : بمعنی الظن وهو قوله تعالی : « إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا » المعارج آية 6 ، أي يظنونه ، ولا يكون ذلك بمعنی العلم لانه لا يجوز أن يكونوا عالمين بانها بعيدة وهي قريبة في علم الله ، واستعمال الرؤية في هذين الوجهين مجاز .

والثالث : رؤية العين وهي حقيقة .

· هل هناك فرق بين العلم والبصيرة ·

ان الفرق بينهما ان البصيرة هي تكامل العلم والمعرفة بالشئ ، ولهذا لا يجوز أن يسمی الباري تعالی بصيرة اذ لا يتكامل علم أحد بعظمته وسلطانه .

· هل هناك فرق بين العلم والذكر ·

ان الفرق بينهما ان الذكر وان كان ضربا ً من العلم فانه لا يسمی ذكرا ً الا اذا وقع بعد النسيان ، وأكثر ما يكون في العلوم الضرورية . ولا يوصف الله به لانه لا يوصف بالنسيان ، وقال علي بن عيسی :

الذكر يضاد السهو ، والعلم يضاد الجهل ، وقد يجمع الذكر للشئ والجهل به من وجه واحد .

· هل هناك فرق بين العلم والحس ·

ان الفرق بينهما ان الحس هو أول العلم ومنه قوله تعالی : « فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ » آل عمران آية 52 ، أي علمه في أول وهلة ، ولهذا لا يجوز أن يقال ان الانسان يحس بوجود نفسه .

ويقول العلامة السيد العباس الحسيني الكاشاني مؤلف كتاب حدائق الانس في نوادر العرب والفرس في ذيل المطلب : وتسمية العلم حسا ً واحساسا ً مجاز ، ويسمی بذلك لانه لا يقع مع الاحساس ، والاحساس من قبيل الادراك ، والالات التي يدرك بها حواس كالعين والاذن والفم ، والقلب ليس من الحواس ، لان العلم الذي يختص به ليس بادراك ، واذا لم يكن العلم ادراكا ً لم يكن محله حاسة .

· منازل الانسان ستة ·

قال بعض الحكماء : الانسان مسافر ومنازله ستة ، وقد قطع منها ثلاثة وتبقی ثلاثة ، فالتي قطعها :

اولها : كتم العدم الی صلب[1] الاب وترائب[2] الام ، كما قال الله تعالی : « يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ » الطارق آية 7 .

وثانيها : رحم الام ، قال سبحانه وتعالی : « هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء » آل عمران آية 6 .

وثالثها : من الرحم الی فضاء الدنيا ، قال عز من قائل : « وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ » الاحقاف آية 15 .

وأما المنازل الثلاث التي لم يقطعها :

فاولها : القبر ، قال عليه السلام : « القبر اول منزل من منازل الآخرة ، وآخر منزل من منازل الدنيا » .

وثانيها : فضاء المحشر ، قال سبحانه : « وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا » الكهف آية 48 .

وثالثها : الجنة والنار ، كما قال تعالی شأنه : « وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ » شوری آية 7 .

وفي ذيل هذا المطلب يقول العلامة السيد العباس الحسيني الكاشاني : ونحن الان في قطع مرحلة المنزل الثالث وهو أصعب المنازل وأكثرها مشقة وأشدها خوفا ً أحاط فيه الشوارع والاطراف اللصوص وقطاع الطريق ، ويفتر فيه الرفيق الشفيق ، ومدة قطع هذه المرحلة مدة عمرنا ، فأيامنا فراسخ ، وساعاتنا أميال ، وآخر بقي له خطوات ، نعوذ لالله من شرور أنفسنا ، ومن الموت علی غير عدة .

· اشعار طريفة في ان الاعراض الواقعة في الانسان ·

· هي غير العلل الواقعة فيه ·

قالوا : ان الاعراض الواقعة في الانسان من المحبة هي غير العلل الواقعة من هجمات العلل ، ويميزها الطبيب النطاسي[3] الحاذق والمتفرس الماهر الناقد .

وفي ذلك يقول ابن حزم المتوفي سنة 456 هجـ :

يقول لي الطبيب بغير علم â تداو فأنت يا هذا عليل

ودائي ليس يدريه سوائي â ورب قادر ملك جليل

أأكتمه ويكشفه شهيق â يلازمني واطراق[4] طويل

ووجه شاهدات الحزن فيه â وجسم كالخيال ضن نحيل

وأثبت ما يكون الامر يوما ً â بلا شك اذا صح الدليل

فقلت له : أبن عني قليلا â فلا والله تعرف ما تقول

فقال : أری نحولا زاد جدا ً â وعلتك التي تشكو ذبول

فقلت له : الذبول تعل من الـ â ـجوارح وهي حمی تستحيل

وما أشكو لعمر الله حمی â وان الحر في جسمي قليل

فقال : أری التفاتا ً وارتقابا ً â وأفكارا وصمتا ً لا يزول

واحسب أنها السوء فانظر â لنفسك انها عرض ثقيل

فقلت له : كلامك ذا محال â فما للدمع من عيني يسيل

فأطرق باهتا ً مما رآه â ألا في مثل ذا بهت النبيل

فقلت له : دوائي منه دائي â ألا في مثل ذا ضلت عقول

وشاهد ما أقول يری عيانا ً â فروع النبت ان عكست أصول

وترياق الافاعي ليس شئ â سواه ببرء ما لدغت كفيل

· تعريف النفس وحقيقتها ·

ذكروا ان اسم النفس مشترك بالاشتراك اللفظي بين معان :

منها : ذات الشئ : « فعل ذلك بنفسه » .

ومنها : الانفة : « ليس لفلان نفس » .

ومنها : الارادة : « نفس فلان في كذا » .

ومنها : العين ، يقال : « أصابت فلان نفس أي عين » .

قال ابن القيس :

يتقي أهلها النفوس[5] عليها â فعلی نحرها الرقي[6] والتميم[7]

ومنها : مقدار دبغة من الدباغ ، تقول : « أعطني نفسا ً » أي قدر ما أدبغ به مرة .

ومنها : العيب : « اني أعلم نفس فلان » أي عيبه .

ومنها : العقوبة : « ويحذركم الله نفسه » .

ومنها : ما يفوت الحياة بفواته كنفس الحيوان : « كل نفس ذائقة الموت » وهذه هي المبحوث عنها المختلف فيها .

وقال بعض العلماء : ان النفس هي الروح ، يقال : خرجت نفسه ، أي روحه .

قال أبو خراش :

نجا سالم والنفس منه بشدقه[8] â ولم ينج الا جفن سيف ومئزر

أي بجفن سيف ومئزر .

والنفس لغة الدم ، يقال : سالت نفسه أي دمه .

وفي الحديث : ما ليس له نفس سائلة فانه لا ينجس الماء اذا مات فيه .

والنفس الجسد ، قال الشاعر :

نبئت أن بني سليم أدخلوا â أبياتهم تامور[9] نفس المنذر

وأما قولهم : ثلاثة أنفس ، فانهم يريدون بذلك الانسان ، هذا قول أصحاب اللغة ، والفقهاء .

وأما أرباب المعقول فقد اختلفوا في حقيقة النفس ما هي ؟ اختلافا ً كثيرا ً الی الغاية .

أما الحكماء فقالوا : النفس عبارة عن هذه الاجزاء النارية السارية في هذا الهيكل ، لان خاصتها الاشراق والحركة ، ولهذا قال الاطباء : ان مدبر الجسد هو الحار الغريزي ، وهذا رأي ( افلوطرخوس) ومن تابعه .

ومنهم من قال : هو عبارة عن الهواء ، لانه متی كان النفس مترددا ً كانت الحياه باقية ، فالنفس هو الهواء المستنشق المتردد في مخارق البدن ، ولانه لا لون له ويدخل في المنافس الضيقة ، وهذا رأي ( ديوجانس) ومن تابعه .

ومنهم من قال : النفس عبارة عن الماء لانه سبب لحصول النشوء والنمو والنفس كذلك ، فكانت هي الماء ، وهذا رأي ( تاليس المطلي) ، وهذه الاقوال فاسدة ، لان الاشتراك في بعض الصفات لا يوجب التساوي في تمام الماهية .

ومنهم من قال : ان النفس عبارة عن مجموع الاخلاط الاربعة بشرط أن يكون كل واحد له قدر معين ، لانه مادامت هذه الاخلاط باقية علی كمياتها المخصوصه وكيفياتها ، فالحياه باقية . وهذا ضعيف أيضا ً ، لانه لا يثبت العلم لنا بمجرد الدور .

لطيفة : يقال انه سئل عن بعض المتكلمين عن الروح والنفس ، فقال : الروح هو الريح ، والنفس هي التنفس ، فقال له السائل : فعلی هذا اذا تنفس الانسان خرجت نفسه ، واذا ضرط خرجت روحه ، فانقلب المجلس ضحكا ً .

ولله در أبي الطيب المتني اذ يقول :

تخالف الناس حتی لا اتفاق لهم â الا علی شجب والخلف في الشجب

فقيل تخلص نفس المرء سالمة â وقيل تشرك جسم المرء في العطب

ومن تفكر في الدنيا ومهجته â أقامة الفكر بين العجز والتعب

· المذاهب في حقيقة النفس علی رأي الفيض الكاشاني رحمه الله ·

ومن أولئك الافذاذ المحققين هو العلامة المحدث الكبير نابغة المتأخرين الحكيم المتأله الفيض الكاشاني (طاب رمسه) فانه قال في روض الجنان : اعلم ان المذاهب في حقيقة النفس كما هي الدائرة في الالسنة والمذكورة في الكتب المشهورة أربعة عشر مذهبا ً :

الاول : هذا الهيكل المحسوس ، المعبر عنه بالبدن .

الثاني : انها القلب ، أعني الضو الصنوبري اللحماني المخصوص .

الثالث : انها الدماغ .

الرابع : انها أجزاء لا تتجزئ في القلب ، وهو مذهب النظام ومتابعيه .

الخامس : انها الاعضاء الاصلية المتولدة من المني .

السادس : انها المزاج .

السابع : انها الروح الحيواني ، ويقرب منه ما قيل انها جسم لطيف سار في البدن سريان الماء في الورد والدهن في السمسم .

الثامن : انها الماء .

التاسع : انها النار والحرارة الغريزية .

العاشر : انها النـّفـَس .

الحادي عشر : انها هي الواجب ، تعالی عما يقول الظالمون علوا ً كبيرا ً .

الثاني عشر : انها الاركان الاربعة .

الثالث عشر : انها صورة نوعية قائمة بمادة البدن ، وهو مذهب الطبيعيين .

الرابع عشر : انها جوهر مجرد عن المادة الجسمانية وعوارض الجسمانيات ، لها تعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف ، والموت انما هو قطع هذا التعلق ، وهذا هو مذهب الحكماء الالهيين وأكابر الصوفية والاشراقيين ، وعليه استقر رأي المحققين من المتكلمين ، كالفخر الرازي ، والغزالي ، والمحقق الطوسي (أنار الله برهانه) وغير هؤلاء من الاعلام ، وهو الذي أشارت اليه الكتب السماوية ،‌وانطوت عليه أنباء النبوة ، وقادت اليه الايماءات الحسية ، والمكاشفات الدوقية .



[1] الصلب : الظهر

[2] الترائب : موضع القلادة في الصدر

[3] النطاسي : عالم بالامور حاذق بالطب وغيره .

[4] الاطراق : استرخاء العين .

[5] النفوس : الاصابة بالعيون .

[6] الرقي : العوذة من العين .

[7] التميم : مجموعة من الخزر تعلق علی شكل قلاده كعوذة عن العين .

[8] بشدقه : بطارف فمه

[9] التامور : الدم

ليست هناك تعليقات: