· اسماء النفس وقواها الاربع واقسامها ·
ان للنفس أسماء مختلفة بحسب اختلاف الاعتبارات .
فيسمی روحا ً : لتوقف حياه البدن عليه .
وعقلا ً : لادراكه المعقولات .
وقلبا ً : لتقلبه في الخواطر ، وقد تستعمل هذه الالفاظ في معان أخر تعرف بالقرائن .
وللنفس قوی أبع :
1. قوة عقليه ملكية : شأنها ادراك حقائق الامور والتمييز بي الخيرات والشرور ، والامر بالافعال الحميدة ، والنهي عن الصفات الذميمة .
2. قوة غضبية سبعية : موجبة لصدور أفعال السباع ، من الغضب والبغضاء ، والتوثب علی الناس بأنواع الاذی .
3. قوة شهوية بهيمية : لا يصدر عنها الا أفعال البهائم من عبودية الفرج والبطن والحرص علی الجماع والاكل .
4. قوة وهمية شيطانية : شأنها استنباط وجوه المكر والحيل ، والتوصل الی الاغراض بالتلبيس والخداع .
· كميل بن زياد يسأل الامام أمير المؤمنين (ع) عن معرفة النفس ·
عن كميل بن زياد قال : سألت مولاي أمير المؤمنين عليا ً (ع) ، قال قلت : يا أمير المؤمنين أريد أن تعـّرفني نفسي ، قال : يا كميل وأي الانفس تريد أن أعرفك ؟ فقلت : يا مولاي وهل هي الا نفس واحدة ؟ قال : يا كميل انما هي أربعة :
· النامية النباتية .
· الحسية الحيوانية .
· الناطقة القدسية .
· الكلية الالهية .
ولكل واحد من هذه خمس قوی ، وخاصيتان :
فالنامية النباتية : لها خمس قوی ، ماسكة ،وجاذبة ، وهاضمة ، ودافعة ، ومرتبة ، ولها خاصيتان ، الزيادة والنقصان ، وانبعاثها من الكبد ، وهي أشبه الاشياء بأنفس الحيوان .
والحسية الحيوانية : لها خمس قوی ، سمع ، وبصر ، وشم ، وذوق ، ولمس ، ولها خاصيتان ، الرضا والغضب ، وانبعاثها من القلب ، وهي أشبه الاشياء بأنفس السباع .
والناطقة القدسية : لها خمس قوی ، فكر ، وذكر ، وعلم ، وحلم ، ونباهة ، وليس لها انبعاث ، وهي أشبه الاشياء يأنفس الملائكة ، ولها خاصيتان ، النزاهة والحكمة .
الكليه الالهية : لها خمس قوی ، بقاء في فناء ، ونعيم في شقاء ، وعز في ذل ، وفقر في غناء ، وصبر في بلاء ، ولها خاصيتان ، الرضا والتسليم ، وهذه هي التي مبدؤها من الله تعالی واليه تعود ، لقوله تعالی : « ونفخت فيه من روحي » وأما عودها فلقوله تعالی : « يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الی ربك راضية مرضية » والعقل وسط الكل ، لكيلا يعقل أحدكم شيئا ً من الخير والشر الا بقياس معقولة .
· تعليق للامام المجلسي عطر الله مرقده علی الحديث ·
· المروي عن كميل رحمه الله ·
وقد علق الامام الكبير شيخ الاسلام العلامة المجلسي (آنار الله برهانه) في بحار الانوار علی هذا الحديث المروي عن كميل بن زياد رضي الله عنه قال : وقد روي هذا الحديث بعض الصوفية في كتبهم عن كميل بن زياد ، وما جاء في مضمونه هي اصطلاحات لم تكد توجد في الاخبار المعتبرة المتداولة وهي شبيهة بأضغاث أحلام الصوفية ، وقال بعضهم في شرح هذا الخبر :
النفسان الاوليان في كلامه عليه السلام مختصان بالجهة الحيوانية التي هي محل اللذة والالم في الدنيا والاخرة ، والاخيرتان بالجهه الانسانية ، وهما سعيدة في النشأتين ، وسيما الاخيرة ، فانها لا حظ لها من الشقاء ، لانها ليست من عالم الشقاء ، بل هي مفتوحة من روح الله فلا يتطرق اليها ألم هناك من وجه وليست هي موجودة في أكثر الناس ، بل ربما لم يبلغ من ألوف كثيرة واحد اليها ، وكذلك الاعضاء والجوارح بمعزل عن اللذة والالم ، آلا تری الی المريض اذا نام وهو حي والحس عنده موجود والجرح الذي يتألم به في يقظته موجود في العضو ، ومع هذا لا يجد ألما ً ، لان الواجد للالم قد صرف وجهه عن عالم الشهادة الی البرزخ فما عنده خير ، فاذا استيقظ المريض أي رجع الی عالم الشهادة ونزل منزل الحواس قامت به الاوجاع والالام ، فان كان في البرزخ في دلم كما في رؤيا مفزعة مؤلمة ، أو في لذة كما في رؤيا حسنة ملذة ، انتقل منه الالم واللذة حيث انتقل ، وكذا حاله في الآخرة .
· للنفس خمس مراتب ·
قالوا : ان للنفس خمس مراتب باعتبار صفاتها المذكورة في الذكر الحكيم :
الاولی : الامارة بالسوء : وهي التي تمشي علی وجهها تابعة لهواها .
الثانية : اللوامة : وقد أشير اليها بقوله : « ولا أقسم بالنفس اللوامة » وهي التي لا تزال تلوم نفسها وان اجتهدت في الاحسان وتلوم علی تقصيرها في التعدي في الدنيا والاخرة .
الثالثة : المطمئنة : وهي النفس الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن ، أو المطمئنة الی الحق التي سكنها روح العلم وثلج اليقين ، فلا يخالجها شك .
الرابعة : الراضية : وهي التي رضيت بما أوتيت .
الخامسة : المرضية : وهي التي رضي عنها .
وبعضهم يذكر لها مرتبة أخری :
الملهمة (بكسر الهاء) علی المشهور والظاهر (فتح الهاء) لكونها مأخوذة من قوله تعالی :
« فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا » الشمس آية 8 ، والملهم الله أوالملك .
· هل ان النفس مؤنث ام مذكر ·
ان النفس مؤنث ان أريد بها الروح ، قال الله تعالی : « خلقكم من نفس واحدة » . وان أريد الشخص فمذكر ، جمعها النفس وأنفس ونفوس ، وهي مشتقة من التنفس لحصولها بطريق النفخ في البدن .
· ابيات طريفة لابن سينا في تعلق النفس بالبدن ·
قال الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن علي بن سينا الحكيم الفيلسوف الشهير ، في تعلق النفس بالبدن ، واستئناسه به ومفارقته اياه :
هبطت اليك من المحمل الارفع â ورقاء[1] ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف â وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت علی كره اليك وربما â كرهت فراقك وهي ذات تفجع
أنفت وما سكنت فما استأنست â ألفت مجاورة الخراب البلقع[2]
وأضنها نسيت عهودا ً بالحمی â ومنازلا بفراقها لم تقنع
حتی اذا اتصلت بهاء هبوطها â من ميم مركزها بذات الاجرع[3]
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت â بين المعالم والطلول الخضع
تبكي اذا ذكرت عهودا ً بالحمی â بمدامع تهمی ولما تقلع
اذ عاقها شرك الكثيف وصداها â قفص عن الاوج الفسيح المربع
وتظل ساجعة علی الند من التي â درست بتكرار الرياح الاربع
اذ عاقها الشرك الكثيف وصدها â قفص عن الاوج الفسيح الاربع
حتی اذا قرب المسير الی الحمی â ودنا الرحيل الی الفضاء الاوسع
وغدت مفارقة لكل مخلف â عنها حليف الثرب غير مشيـّع
سمعت وقد كشف الغطاء فأبصرت â ما ليس يدرك بالعيون الهجع[4]
وغدت تغرد فوق ذروة شامخ â والعلم يرفع كل من لم يرفع
فلأي شئ أهبطت من شامخ â سام الی قعر الحضيض الاوضع
ان كان أهبطها الاله لحكمة â طويت عن الفذ اللبيب الاروع
فهبوطها ان كان ضربة لازب[5] â لتكون سامعه بما لم يسمع
وتكون عالمه بكل حقيقة â في العالمين وخرقها لم يرقع
وهي التي قطع الزمان طريقها â حتی لقد غربت بغير المطلع
فكأنها برق تألق بالحمی â ثم انطوی فكأنه لم يلمع
وقد زعموا أن هذه النفوس في هذا العالم الجسماني ، وما قد ابتلی به من آفات هذا البدن كرجل حكيم في بلد أو قرية ، وقد ابتلی بعشق امرأة رعناء فاجرة سيئة الخلق ، وهي في أكثر الاوقات تطالبه بالمأكول الطيب ، والمشروب اللذيذ ، والثياب الفاخرة ، والمسكن المزخرف ، والشهوات المردية ، وان ذلك الحكيم من شدة محنته بعظم محبتها وعظم بلائه بصحبتها ، قد صرف كل همته الی اصراف أمرها ، وأكثر عنايته الی اصلاح شأنها ، وقد نسي أمر نفسه واصلاح شأنه وبلدته وأقاربه الذين نشأ فيهم ، ونعمته التي كان فيها ، ولا راحة لهذا الحكيم الا بمفارقة هذه المرأة والتسلي عن حبها ، ولكنه ان سمع هذا الحديث تنشق مرارته من خوف مفارقتها .
ولا يخفی أن النفوس جواهر روحانية لا حاجه لها الی الاكل ، والشرب ، واللباس ، والنكاح ، فان كل ذلك مما يحتاج اليه البدن في قوام وجوده ، والنفس ما دام مع هذا البدن تكثر همومه لاصلاح هذا البدن ، ولا راحة للنفس دون مفارقته ، كما قلنا ان الحكيم المبتلی بحب المومسة ، لا راحة له الا بمفارقتها والسلو عنها .
· ما قيل في مدح الاماني والامال ·
روي عن الامام الحسين بن علي عليهما السلام انه قال : لو تصور الناس الموت بصورته ، وقطعوا الامال ، لخربت الدنيا .
وقال بعض الحكماء : لا ينقطع رجاء المرء ما لم تنقطع حياته .
وقال النظام : كنا نلهو بالاماني وتطيب أنفسنا بها ، فلما ذهبت انقطع الامل ، وتكدرت موارد الحياة .
وقال أحد العظماء : أعظم المصائب انقطاع الرجاء .
وقال رجل من بني الحارث ، يمدح المنی :
منی ان تكن حقا ً تكن أحسن المنی â والا فقد عشنا بها زمنا ً رغدا
وقال الآخر :
اذا ازدحمت همومي في فؤادي â طلبت لها المخارج بالتمني
وقال الطغرائي :
أعلل النفس بالامال أرقبها â ما أضيق العيش لولا فسحة الامل
وقيل لبوذرجمهر الحكيم :
ما الذي يشدد البلاء علی الناس ، فقال : القنوط والاستبسال ، قيل : فما الذي يهونه عليهم ، قال : الرجاء وحسن الظن .
· ما قيل في ذم طول الامل ·
روي عن الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام انه قال :
من علم انه يفارق الاحباب ، ويسكن التراب ، ويواجه الحساب ، ويستغني عما ترك ، ويفتقر الی ما قدم ، كان حريا ً بقصر الامل ، وطول العمل .
وقال الامام الحسن عليه السلام :
اياكم وهذه الاماني ، فانه لم يعط أحد بالامنية خيرا ً قط في الدنيا ولا في الآخرة .
قال أحد الحكماء : من اعتمد علی آماله ، قل سعيه ، وخاب ظنه .
وقال أحد البلغاء : الامل كالسراب غر من رآه ، وخاب من رجاه .
وقال أحد الادباء : ثلاث تخلق العقل ، وفيها دليل علی الضعف :
1. سرعة الجواب .
2. وطول التمني .
3. والاستغراب في الضحك .
وقال أحد الفضلاء : الجاهل طويل الامل ، مسئ العمل .
وقال أحد النبلاء : الجاهل يعتمد علی أمله ، والعاقل يعتمد علی عمله .
وقال أحد الحكماء : لا يزال الكبير شابا ً في اثنين :
1. حب المال .
2. وطول الامل .
وقال محمد بن أمية :
أقطع الدهر بظن حسن â وأجلي كربة لا تنجلي
كلما أملت وجها ً صالحا ً â عرض المكروه دون الامل
وكذا الايام لا تدني الذي â أرتجي منك وتدني أجلي
وقال شاعر آخر :
فلا تتعلل بالاماني فانها â عطايا أحاديث النفوس الكواذب
وقال شاعر آخر :
الله أصدق والامال كاذبة â وجل هذي المنی في الصدر وسواس
وقال شاعر آخر :
ولا خير في أن يكذب المرء نفسه â وتقواله للشئ ياليت ذا ليا
وقال أبو تمام الطائي :
[1] الورقاء : شجيرة معروفة تسمو فوق القامة لها وَرَق مدوّر واسع دقيق ناعم تأكله الماشية كلها، و هي غبراء الساق خضراء الورق لها زَمَع شُعْر فيه حب أَغبر مثل الشَّهْدانِج، ترعاه الطير، و هو سُهْليّ ينبت في الأَودية و في جَنَباتها و في القيعان، و هي مَرْعًى.
[2] البلقع : الأَرض القَفْر التي لا شيء بها.
[3] الاجرع : الأَرضُ ذاتُ الحُزُونة تُشاكل الرملَ، و قيل: هي الرملةُ السَّهلة المستوية .
[4] الهجع : النوم ليلا .
[5] ضربة لازب : اي لازما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق