لمحات عما ورد في فضل العلم وشرفه
لا مراء في أن العلم شرف للانسان ، وفخر له في جميع الازمان ، وهو العز الذي لا يبلی جديده ، والكنز الذي لا يفنی مزيده ، وقدره عظيم ، وفضله جسيم ومقامه كبير ، وشرفه كثير .
شذرات من الايات الواردة في فضل العلم
جاء في القرآن الحكيم آيات كثيرة عديدة تدل بوضوح وجلاء علی فضل العلم وشرفه ، نذكر منها :
قوله تعالی : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) سورة العلق .
فافتتح في مقام الامتنان كلامه المجيد بذكر نعمة الايجاد ، وأتبعه بذكر نعمة العلم ، فلو كان هناك بعد نعمة الايجاد نعمة أعلی من العلم لكانت أجدر بالذكر ، سيـّما وهو ــ جل شأنه ــ في بيان ايصال ايصال الانسان من أدنی المراتب وهو العلقة الی اعلی المراتب وهو مرتبة العلم ، وان هذه السورة المباركة هي عند أكثر المفسرين أول ما نزل علی النبي الاعظم (ص) .
وقوله تعالی : (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ) آل عمران آية 18 .
فانظركيف قرن الله سبحانه أولي العلم بنفسه وملائكته ، فبدأ سبحانه بنفسه تعالی ، وثنی بملائكته ، وثلث بأهل العلم ، وهي مرتبة عظيمة للعلم وأهله وناهيك بهذا شرفا ً وفضلا ً وجلالا ً ونبلا ً .
وقوله تعالی : (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ ) النمل آية 40 ، تنبيها ً علی أنه اقتدر عليه بقوة العلم .
وقوله تعالی : (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ ) القصص آية 80 ، بيّن أن عظم قدر الآخرة يعلم بالعلم .
وقوله تعالی : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) النساء آية 83 ، ردْ حكمه في الوقائع الی استنباطهم ، والحق رتبتهم برتبة الانبياء في كشف حكم الله .
الايات الواردة في الذكر الحكيم بهذا الشأن كثيرة نكتفي بما ذكرنا .
مقتطفات من الاحاديث الدالة علی فضل العلم الواردة
عن النبي الاعظم (ص) وأهل البيت (ع)
ما جاء في أحاديث الرسول الاعظم (ص) وأهل بيته (ع) كثيرة ونذكر هنا لمحات منها (بحذف أسانيدها ) بغية الفائدة واختصار الوقت :
قال رسول الله (ص) : طلب العلم فريضة علی كل مسلم ، ألا وان الله يحب بغاة العلم .
وقال صلی الله عليه وآله وسلم : العالم بين الجهال كالحي بين الاموات ، وان طالب العلم يستغفر له كل شئ حتی حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه ، فاطلبوا العلم فانه السبب بينكم وبين الله عزوجلّ ، وان طلب العلم فريضة علی كل مسلم .
وعن امير المؤمنين علي (ع) قال : سمعت رسول الله (ص) يقول :
طلب العلم فريضة علی كل مسلم فاطلبوا العلم من مظانه واقتبسوه من أهله ، فان تعلمه لله حسنة ، وطلبه عبادة ، والمذاكرة فيه تسبيح والعمل به جهاد ، وتعليمه من لا يعلمه صدقة ، وبذله لاهله قربة الی الله تعالی ، لانه معالم الحلال والحرام ، ومنار سبل الجنة والمؤنس في الوحشة والصاحب في الغربة والوحدة ، والمحدث في الخلوة ، والدليل علی السراء والمعين علی الضراء ، والسلاح علی الاعداء ، والزين علی الاخلاء ، يرفع الله به أقواما ً فيجعلهم في الخير قادة ، يقتبس آثارهم ، ويهتدی بفعالهم ، وينتهی الی آرائهم ، ترغب الملائكة في خلتهم ، وبأجنحتها تمسحهم ، وفي صلاتها تبارك عليهم ، يستغفر لهم ، كل رطب ويابس ، حتی حيتان البحر وهوامه ، وسباع البر وأنعامه ، لان العلم حياة القلوب من الجهل وضياء الابصار من الظلمة ، وقوة الابدان من الضعف ، وبالعلم يبلغ العبد منازل الاخيار ، ومجالس الابرار والدرجات العلی في الدنيا والآخرة ، الذكر فيه يعدل بالصيام ، ومدارسته بالقيام ، به يطاع الرب ويعبد ، وبالعلم توصل الارحام وبه يعرف الحلال من الحرام ، والعلم امام للعقل ، وهو قائده ، يرزقه الله السعداء ، ويحرمه الاشقياء .
وعن السيد هبة الله في مجموع الرائق عن رسول الله (ص) قال :
الفقه حتم واجب علی كل مسلم ، ومن عبر بحرا ً في طلب العلم أعطاه الله أجر سبعين عمرة ويهون عليه الموت ، والفقيه الواحد أشد علی الشيطان من ألف قائم وألف صائم ، وعالم ينتفع بعلمه خير من ألف عابد .
وعن القطب الراوندي في لب اللباب عن النبي (ص) قال :
سارعوا في طلب العلم ، فلحديث صادق خير مما طلعت عليه الشمس والقمر .
طائفة من الحكم والامثال في فضل العلم
روي عن النبي (ص) أنه قال : فضل العلم أحب الي من فضل العبادة .
وروي عن النبي (ص) أنه قال : نوم مع علم خير من صلاة مع جهل .
وروي عن النبي (ص) أنه قال : العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل دليله ، والعمل قيمه ، واللين أخوه ، والرفق والده ، والصبر أمير جنوده .
وروي عن النبي (ص) أنه قال : العلم علمان علم في القلب فذاك العلم النافع ، وعلم في اللسان فذلك حجة علی العباد .
وروي عن النبي (ص) أنه قال : العلم علمان ، علم الاديان ، وعلم الابدان .
وروي عن النبي (ص) أنه قال : من أراد الدنيا فليتجر ومن أراد الاخرة فليتزهد ، ومن أرادهما فليتعلم .
أوصی بعض الحكماء لابنه : قال يا بني خذ العلم من أفواه الرجال ، فانهم يكتبون أحسن ما يسمعون ، ويحفظون أحسن ما يكتبون ، ويقولون أحسن ما يحفظون .
وقيل لبوذرجمهر الحكيم : أي الاكتساب أفضل ؟ قال : العلم والادب ، فانهما كنزان لا ينفدان ، وسراجان لا يطفئان ، وحلتان لا تبليان [1] ، من نالهما أصاب الرشاد وعرف طريق المعاد ، وعاش رفيعا ً بين العباد .
وقيل للخليل بن أحمد: أيهما أفضل ؟ العلم أو المال ، قال : العلم ، قيل له : فما بال العلماء يزدحمون علی أبواب الملوك ، والملوك لا يزدحمون علی أبواب العلماء ، قال : ذلك لمعرفة العلماء بحق الملوك ، وجهل الملوك بحق العلماء .
وقال وهب بن منيه : يتشعب من العلم الشرف وان كان صاحبه دنيئا ً والعز وان كان مهينا ً والقرب وان كان قضيا ً والغنی وان كان فقيرا ً والنبل وان كان حقيرا ً والمهابة وان كان وضيعا ً ، والسلامة وان كان سقيما ً .
وقال بعض العارفين :
علـّم الله تعالی سبعة نفر سبعة أشياء كانت سببا ً في سبعة أشياء :
· علـّم آدم (ع) الاسماءكلها .
· وعلـّم الخضر (ع) علم الفراسة .
· وعلـّم يوسف (ع) علم التعبير .
· وعلـّم داود (ع) صنعة الدروع .
· وعلـّم سليمان (ع) منطق الطير .
· وعلـّم عيسی (ع) التوراة والانجيل .
· وعلـّم محمـّد (ص) الشرع والتوحيد .
v فعلم آدم كان سببا ً في سجود الملائكة والرفعة عليهم .
v وعلم الخضر كان سببا ً لوجود موسی تلميذا ً له ويوشع (ع) وتذلل موسی له كما يستفاد من الايات الواردة في القصة .
v وعلم يوسف (ع) كان سببا ً لوجدان الاهل والمملكة والاجتباء .
v وعلم داود (ع) كان سببا ً للرياسة والدرجة .
v وعلم سليمان (ع) كان سببا ً لوجدان بلقيس والغلبة .
v وعلم عيسی (ع) كان لزوال التهمة عن أمه .
v وعلم محمد (ص) كان سببا ً في الشفاعة .
كلا م للجاحظ في مدح مختلف العلوم
قد مدح أبو عثمان الجاحظ أنواع العلوم ، وذمها بأعيانها معربا ً عن قدرته علی الكلام وبعد شأوه[2] في البلاغة ، وحين سئل عن الاثر فقال :
هو أخبار الماضين ، وأنباء الغابرين[3] ، وقصص المرسلين ، وآداب الدنيا والدين ، ومعرفة الفرض والنافلة والشريعة والسنة ، والمصلحة والمفسدة ، والنار والجنة الی صاحبه تشد الرحال ، وحوله يعتكف الرجال ، ويسير به ذكره في البلدان ويبقی اسمه علی ممر الزمان .
قيل : فالفقه ، قال :
فيه علم الحلال والحرام ، وبه تعرف الشرائع وتقام الحدود والاحكام ، وهو عصمة في الدنيا وزينة في الاخرة ، يخطب لصاحبه فضل الاعمال ، ويخلع عليه ثوب الجمال ، ويلبسه الغنی ويبلغه مرتبة القضاء .
قيل : فالكلام ، قال :
عيار كل صناعة ، وزمام كل عبارة ، وقسطاس يعرف به الفضل والرجحان ، وميزان يعلم به الزيادة والنقصان ، وكير[4] يميز به الخاص والعام ، والخالص والمشوب ، ويعرف به الابريز[5] والستوق[6] ، وينظر به الصفو والكدر ، وسلم يرتقی به الی معرفة الصغير والكبير ، ويوصل به الی الحقير والخطير ، وأدلة للتفصيل والتحصيل ، وادراك الدقيق والجليل ، وآلة لاظهار الغامض المشتبه ، وأداة لكشف الخفي الملتبس ، وبه تعرف ربوبية الرب وحجة الرسل ، ويحترز به من شبهات المقالات ، وفساد التأويلات ، وبه تدفع مضلات الاهواء والنحل ، وتبطل تأويلات الديان والملل ، وينزه عن غباوة التقليد وغمة الترديد .
قيل : فالفلسفة ، قال :
أداة الضمائر وآلة الخواطر ، ونتائج العقل ، وأدلة لمعرفة الاجناس والعناصر ، وعلم الاعراض والجواهر ، وعلل الاشخاص والصور واختلاف الاخلاق والطبائع والسجايا والغرائز .
قيل : فالنجوم ، قال :
معرفة الأهلة ومقادير الاظلة ، وسموت البلدان ، وأقدام الزوال في كل وقت وزمان ، وعلم ساعات الليل والنهار في الزياده والنقصان وامارات الغيوث والامطار ، وأوقات سلامة الزرع والثمار .
قيل : فالطب ، قال :
سائس الابدان ، والمنبه علی طبائع الحيوان ، وبه يكون حفظ الصحة ومرمة العلة ، والوقوف علی المنافع والمضار ، والإبانة عن خبايا الاسرار ، وعلم يضطر اليه الخاص والعام ، ويفتقر اليه الناس والانعام ، ولا يستغني عنه الصغير والكبير ، ويحتاج اليه الحقير والخطير .
قيل : فالحساب ، قال :
علم طبيعي لا خلاف عليه ، واضطراري لا مطعن فيه ، ثابت الادلة ، صائب المقالة ، واضح البرهان ، شديد البيان ، سالم من المناقضة خال من المعارضة ، حاكم يقطع الخلاف ، مؤد الی الانصاف والانتصاف ، وبه حفظ الاعمال ، ونظام الاموال ، وقوام أمور الملوك والتجار وثبات قوانين البلاد والامصار .
قيل : فالعروض ، قال :
ميزان الشعر ، وعيار النظم ، ورائض الطبع ، وسائس الفهم ، وبه يعرف الصحيح من المريض ، وفلك عليه مدار القريض .
قيل : فالخط ، قال :
لسان اليد ، ولهجة الضمير ، ووحي الفكر ، وناقل الخبر وحافظ الاثر ، وعمدة الدين والدنيا ، ولقاح اللفظ والمعنی .
وهذا آخر ما حكي عن الجاحظ في مدح العلوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق