ما جاء في وصف القلم من القرآن الحكيم
والحديث النبوي الشريف
ليس هناك شئ أشرف وأفضل من القلم لانه به يمكن اعادة السالف والماضي .
ومن فضل القلم وشرفه أن الله سبحانه أقسم به ، فقال عز اسمه : « ن والقلم وما يسطرون» وقال سبحانه : « اقرأ وربك الأكرم * الذي علـّم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم » .
وجاء في الحديث الشريف : انه روي عن الرسول الاعظم (ص) انه قال : اول ما خلق الله تعالی القلم ، فجری بما كائن الی يوم القيامة .
قال عبد الله بن عباس في تفسير هذه الآية حكاية عن يوسف (ع) : « اجعلني علی خزائن الارض اني حفيظ عليم » قال معناه كاتب حاسب .
بعض ما قيل في وصف القلم
قال ابن المعتز : القلم مجهـّز لجيوش الكلام ، يخدم الارادة ، ولا يمل استزادة ، يسكت واقفا ً ، وينطق سائرا ً ، علی أرض بياضها مظلم وسوادها مضئ وكأنه يقبل بساط سلطان ، أو يفتح نوار بستان .
وقال علي بن عبيد : القلم أصم يسمع النجوی ، يجهل الشاهد ، ويخبر الغائب ، ويجعل الكتب بين الاخوان ألسنا ً ناطقة ، وأعينا ً لاحظة ، وربما ضمنها من ودائع القلوب مالا تبوح به الألسن عند المشاهدة .
وقال ابي حفص بن برد الاندلسي : ما أعجب شأن القلم ، يشرب ظلمة ، ويلفظ نورا ، قد يكون قلم الكاتب أمضی من شباة المحارب ، القلم سهم ينقذ المقاتل ، وشفرة تطيح بها المفاصل .
قال جالينوس : القلم طبيب الكلام .
وقال ابن المقفع : القلم بريد القلب يخبر بالخبر ، وينظر بلا نظر .
وقال احمد بن يوسف : عبرات الاقلام في خدود كتبها أحسن من عبرات الغواني في صحون خدودها .
وقال العتابي : ببكاء القلم تبتسم الكتب ، والاقلام مطايا الاذهان .
وقيل : لم أر باكيا ً أحسن يتما ً من القلم .
وحكي ان عبدالله بن المعتز جاء يوما ً في المسجد الجامع الی أبي العباس أحمد بن يحيی ليسلم عليه فقام له وأجلسه مكانه ، فداس ابن المعتز قلما ً فكسره ، فلما جلس قال لمن حوله :
لكفـّي ثأر عند رجلي لانها
أثارت قتيلا ً ما لاعظمه جبر
فعجب الناس من سرعة بديهته .
قال أبو هفان : سألت وراقا ً عن حاله فقال : عيشي أضيق من محبرة ، وجسمي أدق من مسطرة ، وجاهي أرق من الزجاج ، ووجهي عند الناس أشد سوادا ً من الحبر ، وحظي أحقر من شق القلم ، وبدني أضعف من قصبة ، وطعامي أمر من العفص ، وسوء الحال ألزم لي من الصبغ . فقلت له : عبـّرت عن بلاء ببلاء .
مقارنة ما بين السيف والقلم
فاخر حامل سيف صاحب قلم ، فقال صاحب القلم لصاحب السيف : أنا أقتل بلا غرر ، وانت تقتل علی خطر ، وصرير الاقلام ، أشد من صليل الحسام .
فقال حامل السيف : القلم خادم السيف ، ان تم مراده والا فالی السيف معاده ، ولله در أبي تمام حيث يقول في ذلك :
السيف أصدق أنباءا ً من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
متونهن جلاء الشك والريب
التفاوت بين مراتب السيف والقلم في الدول
قال بعضهم : ان السيف والقلم كلاهما آلة لصاحب الدولة ، يستعين بهما علی امره ، الا ان الحاجة الی السيف في اول الدولة مادام اهلها في تمهيد أمرهم أشد من الحاجة الی القلم ، اذ القلم في تلك الحال خادم فقط ، منفذ للحكم السلطاني ، والسيف شريك في المعونة ، وكذلك في آخر الدولة ، حيث تضعف عصبيتها ، ويقل أهلها بما ينالهم من الهرم ، فتحتاج الدولة الی الاستظهار بأرباب السيوف وتقوی الحاجة اليهم في حماية الدولة والمدافعة عنها ، كما الشأن أول الامر في تمهيدها ، فتكون للسيف مزية في الحالتين علی القلم ، ويكون أرباب السيف حينئذ أوسع جاها ً وأكثر نعمة وأسنی اقطاعا ً واما في وسط الدولة فيستغني صاحبها بعض الشئ عن السيف ، لانه قد تمهد أمره ولم يبق همه الا في تحصيل ثمرات الملك من الجباية والضبط ومباهاة الدول وتنفيذ الاحكام .
والقلم هو المعين له في ذلك فتعظم الحاجة الی تصريفه وتكون السيوف مهملة في مضاجع غمودها ، الا اذا نابت نائبة أودعت الی سد فرجة وما سوی ذلك فلا حاجة اليها ، فيكون أرباب الاقلام في هذه الحالة أوسع جاها ً ، وأعلی رتبة وأعظم نعمة وثروة ، وأقرب من السلطان مجلسا ً ، وأكثر اليه ترددا ، وفي خلواته نجيا ً ، لانه حينئذ الالة التي بها يستظهر علی تحصيل ثمرات ملكه ، والنظر في أعطافه وتثقيف أطرافه ، والمباهاة بأحواله ، ويكون الوزراء حينئذ وأهل السيوف مستغنی عنهم مبعدين عن ناظر السلطان حذرين علی أنفسهم من بوادره وفي معنی ذلك ما كتب به أبو مسلم الخراساني للمنصور حين أمره بالقدوم : أما بعد فانه مما حفظناه من وصايا الفرس : أخوف ما يكون الوزارة اذا سكنت الدهماء ، سنـّة الله في عباده والسلام .
بعض ما قيل في مدح القلم وتفضيله علی السيف
من الشعر
قال ابن الرومي في تفضيل القلم علی السيف :
ان يخدم القلم السيف الذي خضعت
له الرقاب ودانت خوفه الامم
فالموت والموت لا شئ يقابله
مازال يتبع ما يجري به القلم
بذا قضی الله للاقلام مذ بريت
ان السيوف لها مذ أرهفت خدم
وقال العلامة العاملي :
حسب اليراع فخارا ً غير مكتتم
تخصيصه في كتاب الله بالقسم
فضل اليراع علی البيض الصفاح لدی الـ
ـأنام أشهر من نار علی علم
ما علـّم الله بالصمصام من أحد
لكنه علـّم الانسان بالقلم
من أين للشيب فخر كالشباب وهل
يقاس معتدل بالاحدب الهرم
وكيف يسمو علی ذي منطق ذرب
به تحدی الوری ذي منطق بكم
بعض ما جاء في ذم القلم وتفضيل السيف عليه
من الشعر
وهناك طائفة من الادباء ممن نظم في ذم القلم وتفضيل السيف عليه .
قال ابو الطيب المتنبي :
حتی رجعت وأقلامي قوائل لي
المجد للسيف ليس المجد للقلم
أكتب بنا أبدا بعد الكتاب به
فانما نحن للاسياف كالخدم
من افتضی بسوی الهندي حاجته
أجاب كل سؤال عن هل بلم
وقال بعضهم :
أفّ لرزق الكتبة
أفّ له ما أصعبه
يرتشف الرزق له
من شق تلك القصبه
ياقلـّما يرفع في الطـ
ـرس لرأسي ذنبه
ما أعرف المسكين الا
كاتبا ً ذا متربه
وقال الآخر :
أما المهند تغريني وما علمت
ان المهند لا يغني عن القلم
ليس المحمر بيض الهند من مهج
مثل المسود بيض الطرس من كلم
الحكم بين السيف والقلم
قال بعض الادباء الكبار :
السيف والرمح فضل لا يزيد علی
فضل اليراع وما يملي من الحكم
فالسيف ذلت عتاة المشركين به
والله أقسم في الفرقان بالقلم
وذوالفقار بكف المرتضی كشف اللـ
ـه الكروب به عن سيد الامم
وقال آية الله الامين العاملي رحمه الله :
قد أكثر الشعراء القول من قدم
علی التفاضل بين السيف والقلم
ففضل السيف أقوام وما علموا
أن الظبی بسوی الاقلام لم تقم
وقال قوم بتفضيل اليراع ولـ
ـكن اليراع بغير السيف كالعدم
فقلت قولا عن الانصاف مصدره
وقلما يوجد الانصاف في الحكم
كم للظبی من مقام راح مشتهرا ً
بين الانام سواها فيه لم يقم
وكم نبا السيف عن أمر وقد نفذت
في قلبه وحشاه أسهم الكلم
بعض الالغاز الطريفة التي قيلت في القلم
قال بعضهم ملغزا ً في القلم :
فلا هو يمشي لا ولا هو مقعد
وما ان له رأس ولا كف لامس
ولا هو حي لا ولا هو ميت
ولكنه شخص يری في المجالس
يزيد علی سم الافاعي لعابه
يدب دبيبا ً في الدجی والحنادس
يفرق أوصالا بصمت يجبنه
وتفری به الاوداج تحت القلانس
اذا ما رآته العين تحقر شأنه
وهيهات يبدو النفس عند الكرادس
وقال آخر :
وأهيف مذبوح علی صدر غيره يترجم عن ذي منطق وهو أبكم
تراه قصيرا ً كلما طال عمره ويضحی بليغا ً وهو لا يتكلم
وقال آخر :
بصير بما يوحی اليه وما له
لسان ولا قلب ولا هو سامع
كأن ضمير القلب باح بسره
اليه اذا ما حركته الاصابع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق